الكوليرا والملاريا في الصدارة.. الأوبئة تحاصر الدول المنهكة من الحروب

الكوليرا والملاريا في الصدارة.. الأوبئة تحاصر الدول المنهكة من الحروب
تفشي الكوليرا - أرشيف

في ظل الحروب المستعرة والأزمات الإنسانية المتفاقمة، تشهد عدة دول عربية موجات متصاعدة من الأوبئة، تتصدرها الكوليرا والملاريا، في وقت تعجز فيه الأنظمة الصحية المتهالكة عن الاستجابة الفعالة.

وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن الكوليرا لا تزال تمثل تهديدًا عالميًا للصحة العامة، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف في البنية التحتية للمياه والصرف الصحي.

وتقدر حالات الكوليرا سنويًا بما يتراوح بين 3 إلى 5 ملايين حالة، مع وفيات تصل إلى 120 ألف حالة، إذ تنتشر الكوليرا بشكل خاص في المناطق التي تفتقر إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، ما يجعل السكان عرضة للإصابة بهذا المرض القاتل.

وفيما يتعلق بالملاريا، دعت منظمة الصحة العالمية إلى تجديد الجهود على جميع المستويات، من السياسات العالمية إلى العمل المجتمعي، لتسريع التقدم نحو القضاء على الملاريا. 

ومنذ عام 2000، تم إنقاذ ما يقرب من 13 مليون حياة بفضل التعاون العالمي القوي، ومع ذلك، لا تزال الملاريا تشكل تهديدًا كبيرًا، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف في الخدمات الصحية والبنية التحتية.

ويعود تفشي هذه الأوبئة إلى عوامل عديدة أبرزها، انهيار البنى التحتية الصحية، وغياب خدمات المياه النظيفة والصرف الصحي، والنزوح الجماعي وتكدّس السكان في بيئات غير صحية، ونقص اللقاحات والأدوية الضرورية.

ورغم الجهود التي تبذلها منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسف، والتي تشمل حملات تطعيم، وتوزيع أدوات تعقيم المياه، ومكافحة البعوض، فإن الاستجابة تبقى غير كافية، ويعزو الخبراء ذلك إلى صعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة وقلّة التمويل الدولي.

الدول الأكثر انتشاراً

ففي اليمن، التي تعاني من حرب متواصلة منذ أكثر من تسع سنوات، سجلت البلاد واحدة من أسوأ موجات تفشي الكوليرا عالميًا منذ عام 2016، نتيجة تلوّث المياه وغياب خدمات الصرف الصحي، حيث تقدر منظمة الصحة العالمية عدد الحالات بمئات الآلاف، وسط تحذيرات من موجات جديدة في موسم الأمطار.

وفي السودان، فقد أسهم تصاعد النزاع المسلح في انهيار شبه كامل للقطاع الصحي، ما تسبب بانتشار الملاريا في مختلف أنحاء البلاد. وتشير تقارير محلية إلى نقص حاد في الأدوية ومبيدات الحشرات، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الإصابة والوفيات، خاصة بين الأطفال.

وفي سوريا، وعلى الرغم من انحسار نسبي في المعارك، فإن المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة تشهد عودة تفشي الكوليرا، لا سيما في مخيمات النزوح شمال البلاد، المنظمات الطبية تحذّر من كارثة صحية وشيكة، في ظل عجز الموارد الطبية وصعوبة الوصول الإنساني.

وتعاني دول مثل جنوب السودان والصومال من مزيج قاتل من سوء التغذية وتفشي الأمراض الوبائية، في بيئة تفتقر إلى أدنى مقومات النظافة والرعاية الصحية.

وتدعو منظمات إنسانية، المجتمع الدولي إلى تقديم دعم عاجل لمواجهة تفشي الأوبئة، والعمل على حلّ النزاعات السياسية التي تسببت في هذه الكوارث الصحية، محذّرة من أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيعرض حياة ملايين الأشخاص للخطر.

فيما تؤكد منظمة الصحة العالمية ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز برامج التمنيع، وتحسين الوصول إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، كما تشدد على أهمية التعاون الدولي والدعم المستدام للتصدي لهذه الأوبئة والحد من انتشارها، خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاعات والصراعات.

علاقة الحروب والأوبئة

وتشكل الأوبئة جزءًا من الكوارث المصاحبة للحروب في التاريخ، فمع كل انهيار في النظام الصحي أو تدهور في البيئة، تجد الأمراض المعدية بيئة خصبة للانتشار، وتاريخيًا، أسهمت النزاعات المسلحة في تسريع انتشار الأوبئة بسبب النزوح الجماعي، نقص الغذاء، انعدام النظافة، وضعف الوصول إلى الرعاية الطبية.

وظهرت الكوليرا أول مرة بشكل موثّق في القرن التاسع عشر في شبه القارة الهندية، قبل أن تنتقل إلى الشرق الأوسط وأوروبا مع تحركات الجنود والتجارة، وقد سجلت مصر وسوريا واليمن حالات تفش كبيرة للكوليرا في فترات مختلفة من تاريخها الاستعماري والحربي.

وخلال الحرب الأهلية في نيجيريا في الستينيات، وفي رواندا خلال الإبادة الجماعية عام 1994، أسهم تكدس اللاجئين وسوء أوضاع المخيمات في انتشار واسع للكوليرا والملاريا، ما أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا في وقت قصير.

في القرن الحادي والعشرين، مثلًا في العراق بعد عام 2003، وسوريا بعد 2011، واليمن منذ 2015، أسهم تدهور القطاعات الصحية والبنى التحتية في عودة أوبئة كانت قد أُعلنت شبه منقرضة في بعض المناطق.

أما الملاريا، فرغم الجهود العالمية للتقليل من حدتها، لا تزال تُسجل بقوة في الدول التي تشهد صراعات طويلة، مثل جنوب السودان والكونغو الديمقراطية، حيث تمنع الحرب من تطبيق حملات مكافحة البعوض على نطاق واسع أو توفير العلاج في الوقت المناسب.

هذا الارتباط التاريخي بين الحرب والمرض يُظهر أن أي استجابة صحية مستدامة يجب أن تمر أولًا عبر طريق الاستقرار والسلام والتنمية.

بيئات غير آمنة

ويرى خبراء الصحة والتنمية أن التعامل مع تفشي الأوبئة في مناطق النزاع لا يمكن أن يقتصر على الحلول الطبية فقط، بل يتطلب خطة شاملة تُدمج فيها جهود بناء السلام، وتحسين التعليم، وتوفير مصادر مياه آمنة، وإعادة إعمار البنية التحتية، ولا سيما أن استهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف خلال النزاعات يؤدي إلى مزيد من الشلل في الاستجابة الصحية.

بدوره، قال الإعلامي السوداني أسامة سيد أحمد، إن الحرب الأهلية المستمرة منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع أدت إلى تدمير نحو 90 بالمئة من المستشفيات والمرافق الصحية، فضلاً عن نزوح أكثر من 13 مليون شخص داخلياً وخارجياً، ما أدى إلى انهيار شبه كامل لنظام الرعاية الصحية.

وأضاف أحمد في تصريح لـ"جسور بوست" أنه منذ مطلع العام الجاري شهد السودان تفشي الكوليرا في 12 ولاية، مع تسجيل أكثر من ألف حالة وفاة بينهم أطفال تحت سن الخامسة، وذلك نتيجة تلوث مياه الشرب وانقطاع الكهرباء وخدمات المياه.

وتابع: بجانب الكوليرا شهد السودان تفشيًا للملاريا، وتم تسجيل أكثر من 2 مليون حالة بينهم وفيات، لا سيما بعد انقطاع برامج مكافحة النواقل، وسوء الصرف الصحي، خاصة في مخيمات النازحين التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الآدمية.

ومن جانبه، أوضح الدكتور رامي العبادلة، مدير وحدة مكافحة العدوى بوزارة الصحة الفلسطينية، أن جميع عوامل تفشي الأمراض والأوبئة متوفرة غزة بعد الحرب الممتدة منذ 7 أكتوبر 2023، خاصة في ظل عدم توافر المياه الصالحة للشرب، والاعتماد على مياه الأبار الجوفية التي ترتفع بها نسبة النيترات وتلوثها بميكروبات مثل fecal coli form.

وأضاف العبادلة، في تصريح لـ"جسور بوست": "كل المحطات التي كانت تقوم بمعالجة المياه توقفت عن العمل بسبب نقص الطاقة لتشغيل المضخات وأجهزة الكلورة، وعدم توفر مصادر مياه للشرب بديلة مثل المياه المعبأة، وعدم توفر كميات مياه كافية للنظافة الشخصية، وذلك بسبب النزوح المتكرر وعدم قدرة المواطنين على الاستقرار في مكان وتوفير خزانات مياه للاستخدام في قدرتهم على المكوث في مكان قريب من مصدر مياه".

وتابع: "أسهم تدمير 85 بالمئة من شبكات الصرف الصحي، كما توقفت محطات معالجة الصرف تماماً بسبب عدم توفر الطاقة او بدائلها للتشغيل ومعالجة الصرف، ما أدى إلى انتشار سيول الصرف في الشوارع وأماكن النزوح والتجمعات في المدارس، واعتماد المواطنين على مراحيض بدائية لقضاء حاجتهم بدون معالجة الصرف، فضلاً عن تراكم النفايات في مراكز التجمع النزوح".

وأشار العبادلة إلى نقص الغذاء الرئيسي لدى جميع الفئات العمرية، ما أدى ظهور بوادر المجاعة لدى العديد من الفئات العمرية مثل النحافة الشديدة وضعف المناعة لدى الغالبية العظمى من السكان، وأسهم في تزايد هذه المعدلات تدمير الخدمات الصحية ومراكز الرعاية الأولية والمستشفيات وعدم توفر الأدوية والمواد المعملية لإجراء الفحوصات والمعدات والأجهزة التشخيصية بشكل عام.

ومضى قائلاً: "الأمراض والأوبئة انتشرت في قطاع غزة بصورة غير مسبوقة بسبب نزوح جميع السكان وعدم توافر أماكن مناسبة ونظيفة، والازدحام الشديد في أماكن النزوح والتي يطلق عليها مناطق آمنة بسبب حضور نحو 300 ألف مواطن في أقل من كيلو متر مربع".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية